ثمرات الاستقامة: طريق النجاح في الدنيا والآخرة
تُعرف الاستقامة في الإسلام بأنها الالتزام بطاعة الله عز وجل ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، وهي جوهر الإيمان والطريق الأمثل للسعادة في الحياة الدنيا والآخرة. يُعدّ الحديث النبوي الشريف الذي رواه سفيان بن عبد الله رضي الله عنه: "قل: آمنت بالله ثم استقم" [1] دليلاً واضحاً على أهمية الاستقامة بعد الإيمان. فما هي ثمرات هذه الاستقامة؟ وكيف نُحققها؟
شرح عملي لمفهوم الاستقامة:
يُشرح النبي صلى الله عليه وسلم مفهوم الاستقامة بمثالٍ رائع في حديثٍ آخر: "ضرب الله مثلًا صراطًا مستقيمًا، وعلى جنبتي الصراط سورانِ…" [2]. يشبّه النبي صلى الله عليه وسلم الاستقامة بصراط مستقيم، والسورانِ حدود الله، والأبوابُ المفتحةُ محارم الله. هذا التشبيه يُوضح بوضوح ضرورة الالتزام بالحدود الشرعية واجتناب المعاصي، والسير بثبات على طريق الحق. كتاب الله ودعوة الواعظ في القلب هما الدليل والمرشد في هذا الطريق.
ثمرات الاستقامة:
تُثمر الاستقامة العديد من النتائج الإيجابية في الحياة، منها:
-
الثبات والنماء: من استقام ثَبَت، ومن ثَبَت نَبَت، ومن نَبَت أثمر. كلامٌ يدلّ على التطور الروحي والنجاح الدنيوي الذي يحققه من يتمسك بالاستقامة. كما في قول سفيان الثوري رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم: "حدثني بأمرٍ أعتصم به"، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "قل ربي الله ثم استقم" [3].
-
استجابة لأمر الله ورسوله: يُحثنا القرآن الكريم على الاستقامة: "فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير" [هود: 112]. والاستقامة ليست مجرد قول، بل هي فعلٌ وسلوكٌ يتجلى في جميع جوانب الحياة. كما ورد عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "سدّدوا واقاربوا وابشروا، فإنه لا يدخل أحدًا الجنة عمله" [4].
-
الفوز بولاية الله: يُعدّ الاستقامة سببًا رئيسيًا للفوز بولاية الله تعالى، كما ورد في سورة يونس: "ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون" [يونس: 62-64]. فمن آمن واتقى، نال البشرى في الدنيا والآخرة. كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "إن الله تعالى قال: من عادى لي وليًا فقد آذنتُه بالحرب" [5].
-
اللحاق بركب الأنبياء والصالحين: يُعدّ من يستجيب لأوامر الله ورسوله من أهل الاستقامة، وهم مع الذين أنعم الله عليهم من الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين، كما جاء في سورة النساء: "ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا" [النساء: 69].
-
حسن الخاتمة: يُعدّ الاستقامة سببًا رئيسيًا لحسن الخاتمة، كما في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة" [6]. وتُجسّد قصة عامر بن عبد الله مثالاً رائعًا لذلك.
-
الأمن في الدنيا والآخرة: يُوعدّ الله عز وجلّ المستقيمين بالأمن والطمأنينة في الدنيا والآخرة، كما جاء في سورة فصلت: "إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنازل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون" [فصلت: 30-32].
-
الحياة الطيبة: يُوعدّ الله عز وجلّ من عمل صالحًا بحياة طيبة، كما جاء في سورة النحل: "من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة" [النحل: 97]. وذلك يشمل الحياة الدنيا والآخرة. كما ورد في سورة الجن: "وألو استقاموا على الطريقة لأ سقيناهم ماءً غدقًا" [الجن: 16].
- ظل الله يوم القيامة: من ثمرات الاستقامة أيضًا أن يُظلّ الله المستقيمين في ظله يوم القيامة، كما ورد في الحديث النبوي الشريف عن السبع الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله [7].
الخلاصة: إن الاستقامة هي أساس السعادة والنجاح في الحياة، فهي طريقٌ مُمهدٌ إلى رضا الله عز وجل والفوز بالجنة. إنها ليست مجرد هدف، بل هي منهج حياة يجب أن نلتزم به في كل جوانب حياتنا.
المراجع:
[1] أخرجه مسلم في الصحيح 1/ 65، كتاب الإيمان (1)، باب جامع أوصاف الإِسلام (13)، الحديث (62/ 38).
[2] أخرجه أحمد (4/ 182، رقم 17671)، والحاكم (1/ 144، رقم 245) وقال: صحيح على شرط مسلم ولا أعرف له علة، والبيهقي في شعب الإيمان (5/ 445، رقم 7216)، وأخرجه أيضًا: الترمذي (5/ 144، رقم 2859) وقال: غريب، والنسائي في الكبرى (6/ 361، رقم 11233).
[3] أخرجه مسلم في الصحيح 1/ 65، كتاب الإيمان (1)، باب جامع أوصاف الإِسلام (13)، الحديث (62/ 38).
[4] أخرجه البخاري في: 81 كتاب الرقاق: 18 باب القصد والمداومة على العمل.
[5] أخرجه البخاري من رواية أبي هريرة رضي اللَّه عنه، في الصحيح 11/ 340 – 341، كتاب الرقاق (81)، باب التواضع (38)، الحديث (6502).
[6] أخرجه أحمد "5/ 247"، وأبو داود "3/ 486" كتاب الجنائز، حديث "3116"، والحاكم "1/ 351"، والطبراني في "المعجم الكبير" "20/ 112" رقم "221"، والبيهقي في "شعب الإيمان" "1/ 108" رقم "94".
[7] أخرجه البخاري في: 10 كتاب الزكاة: 36 باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة وفضل المساجد.
اترك تعليقاً