حكمة عمر في مواجهة الوباء: درس في التوكل والأخذ بالأسباب**


مقدمة: موقف عمر بن الخطاب في مواجهة وباء الشام

تُعدّ قصة موقف الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه من وباء الشام درسًا بليغًا في كيفية الجمع بين التوكل على الله والأخذ بالأسباب، وبين الحزم والرحمة، في مواجهة الأزمات والكوارث. هذه القصة التاريخية، التي نقلها لنا ابن عباس رضي الله عنهما، تقدم لنا نموذجًا فريدًا في القيادة الرشيدة والتعامل مع الأوبئة.

تفاصيل القصة: مشورة وتدبر وحكمة

  • الاستشارة الجماعية: عندما وصل عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى منطقة "سَرْغ" في طريقه إلى الشام، تلقى خبر تفشي الوباء. لم يتسرع في اتخاذ قرار فردي، بل جمع المهاجرين والأنصار ومشايخ قريش لاستشارتهم. هذا يدل على حرصه على الاستفادة من خبراتهم وآرائهم المختلفة.
  • تباين الآراء: تباينت آراء الصحابة رضي الله عنهم، فمنهم من رأى ضرورة المضي قدمًا وعدم الرجوع، ومنهم من رأى أن في الرجوع حماية للمسلمين وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذا الاختلاف يعكس حرية الرأي والاجتهاد في الأمور التي لا يوجد فيها نص قاطع.
  • القرار الحاسم: بعد الاستماع إلى جميع الآراء، استقر رأي عمر رضي الله عنه على الرجوع بالناس وعدم التقدم إلى الشام. هذا القرار لم يكن نابعًا من الخوف أو الجزع، بل من الحكمة والتبصر وحماية الأرواح.

الحوار مع أبي عبيدة: التوكل والأسباب

  • سؤال أبي عبيدة: استغرب أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه من قرار عمر رضي الله عنه، وتساءل: "أفرارًا من قدر الله؟".
  • جواب عمر الحكيم: رد عمر رضي الله عنه بحكمة بالغة: "نعم نَفِرُّ من قدر الله إلى قدر الله". وأوضح ذلك بمثال بليغ عن الإبل التي تهبط واديًا ذا عُدوتين، إحداهما خصبة والأخرى جدبة، فإذا رعاها في الخصبة فقد رعاها بقدر الله، وإذا رعاها في الجدبة فقد رعاها بقدر الله أيضًا. هذا المثال يوضح أن الأخذ بالأسباب لا يتعارض مع التوكل على الله، بل هو جزء من القدر.

حديث عبد الرحمن بن عوف: دليل نبوي قاطع

  • تأكيد نبوي: جاء عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، وكان غائبًا، ليؤكد صحة قرار عمر رضي الله عنه، حيث روى حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا سمعتُم به بأرضٍ، فلا تُقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها، فلا تخرَّجوا فرارًا منه».
  • الامتثال والتسليم: بعد سماع هذا الحديث، حمد عمر رضي الله عنه الله تعالى على توفيقه، وانصرف عن الشام. هذا يدل على التسليم لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والعمل بما جاء في الشريعة الإسلامية.

دروس مستفادة من موقف عمر

  • أهمية الاستشارة: ضرورة استشارة أهل العلم والخبرة في الأمور المهمة.
  • الجمع بين التوكل والأسباب: لا يتعارض التوكل على الله مع الأخذ بالأسباب واتخاذ التدابير الوقائية.
  • حماية الأرواح: من أولويات القيادة الحفاظ على أرواح الناس وحمايتهم من الأخطار.
  • التسليم لأمر الله ورسوله: وجوب العمل بما جاء في الشريعة الإسلامية.

خاتمة: إرث من الحكمة والقيادة

يبقى موقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه من وباء الشام مثالًا خالدًا في القيادة الرشيدة والتعامل مع الأزمات، فهو يجمع بين الحكمة والرحمة، وبين التوكل على الله والأخذ بالأسباب. هذا الموقف يمثل إرثًا عظيمًا يجب أن نقتدي به في حياتنا ومواجهة التحديات التي تواجهنا.

المصدر: موقع طريق الإسلام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *