خطبة عيد الأضحى المبارك: رسائل سامية للتسامح والمحبة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
مقدمة: التوبة والتقوى سبيل السعادة
أيها الإخوة الكرام، في هذا اليوم المبارك، يوم عيد الأضحى، نرفع أكف الضراعة لله سبحانه وتعالى، شاكرين له نعمه المتلاحقة، سائلين إياه أن يتقبل منا صالح أعمالنا. إن سعادة الإنسان الحقيقية تكمن في طاعته لربه، وإيمانه الراسخ به، فمن اتقى الله ورضي بقضائه، نال السكينة والراحة، وغنى القلب لا يضاهيه غنى الدنيا الزائلة. فكيف يضيق صدر من جعل الله ربه وحزبه؟ كيف يحزن من وثق بربه؟ إنّ السجدة تُزيل الحزن، والدعاء يُحلّ البهجة. فلنغسل قلوبنا قبل أجسادنا، ولساننا قبل أيدينا، ولنُحسن الظن بربنا الكريم، ففي ستره الأمن والطمأنينة، كما قال تعالى: ﴿ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 49].
أيام عيد الأضحى المباركة: فضائلها وشعائرها
نعيش اليوم أيامًا مباركة، أيام عيد الأضحى وأيام التشريق، أيامٌ شرّع الله فيها ذبح الأضاحي، والأكل منها والتصدّق بها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وإن هذه الأيام أيام أكل وشرب وذكر لله تعالى". (رواه أحمد وأبو داود). فمن لم يضّحِ في اليوم العاشر، فلْيُضَحِّ حتى غروب شمس اليوم الثالث عشر. والذبح مشروع في الليل والنهار، لكنّ النهار أفضل. ويُشرع التصدق من الأضحية، كما قال تعالى: ﴿ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ﴾ [الحج: 36].
التكبير في أيام التشريق: سنة مؤكدة
ومن أحكام أيام التشريق، الإكثار من التكبير، خاصة بعد الصلوات المفروضة، كما كان يفعل الصحابة رضوان الله عليهم. وقد جاء في حديث إبراهيم النخعي: "كانوا يكبرون يوم عرفة وأحدهم مستقبل القبلة في دبر الصلاة: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد". ويستمر التكبير حتى عصر اليوم الثالث عشر، امتثالاً لقول الله تعالى: ﴿ وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ ﴾ [البقرة: 203]. فليُكثرْ من ذكر الله، ولْيُدبّرْ معنى ما يقول، لِيزداد خشوعًا وتأثرًا.
فرص التغيير والتسامح: بناء جسور المحبة
أيها المسلمون، أعيادنا فرصة ثمينة للتغيير والتسامح، فلنملأ أيامنا بذكر الله، ولْنبتعد عن الخلافات والنزاعات، ولْنُصلِح ذات بيننا، ولْنُسامح من أساء إلينا. فلنُبادِرْ بالصلح والتواصل مع أهلنا وأقاربنا، مهما طال الزمن الذي فصلنا عنهم، مهما كانت الخلافات التي حدثت بيننا. فلنكن نحن السابقين إلى المصالحة، فلنفتح صفحة جديدة من المحبة والوئام، راجين عفو الله وتجاوزه عن زلاتنا. كما قال تعالى: ﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ [الشورى:40]. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 22].
ترسيخ القيم الإسلامية وتعليم الأبناء: مسؤولية مشتركة
وإن هذه الأعياد فرصةٌ سانحةٌ لترسيخ قيم الإسلام في نفوس أبنائنا، وتعليمهم مكارم الأخلاق، وربطهم بعاداتنا وتقاليدنا الأصيلة. فلْنُقضِيَ معهم أوقاتًا سعيدة، ونُشاركهم فرحة العيد، ونُعلّمهم أهمية صلة الرحم، والتواصل مع الأقارب والأهل. فلنُغيّر أساليبنا في التعامل معهم، ولْنُثنِ على سلوكهم الحسن، ولْنُشجّعهم على بذل الجهد والمثابرة.
العلاقات الزوجية: بناء على المحبة والتقدير
أيها الزوجان، إنّ العيد فرصةٌ لِتَجديدِ العهدِ بالمحبةِ والمودةِ، فلْتُمدح الزوجةُ زوجها، وتُقدّر جهوده، وَليُثني الزوجُ على زوجته، ويُظهر لها تقديره واحترامه. إنّ الكلمات الطيبة تبني بيوتًا سعيدة، وتُقوي أواصر الحبّ بين الزوجين.
الزيارة للمريض: عملٌ عظيم وأجرٌ كبير
ولْنُذكِّر أنفسنا بفضل زيارة المريض، فإنّها من أعظم الأعمال، ولها أجرٌ عظيم عند الله سبحانه وتعالى. فلْنُزرْ مرضانا، ونُساندَهم، ونُشجّعهم، ونُساهم في رفع معنوياتهم. فزيارة المريض عبادةٌ عظيمة، وقد جاء في الحديث: "ما من عبدٍ أتى أخاه يزورُه في الله إلا ناداه منادٍ من السماء: أن طبتَ وطاب ممشاكَ، وتبوأتَ من الجنة منزلًا". (رواه الترمذي وابن ماجه).
خاتمة: التفاؤل والتوكل على الله
والله، إنّ الدهرَ يدورُ بين فرح وحزن، لكنّ التفاؤلَ والتوكلَ على اللهِ هما سبيلُ السعادةِ. فلنُحسن الظنّ بربّنا، ولْنُؤمِنْ بأنّ كلّ ما يحدث لنا هو خيرٌ لنا، ولو لم ندرك ذلك في الحال. فلْنَعلّق قلوبنا بالله، ولنكن معه في جميع أمورنا، ولنتذكر قوله تعالى: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36]، وقوله: ﴿ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ [التوبة: 40]، وقوله: ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ﴾ [مريم: 64]. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
اترك تعليقاً