مقدمة: أمة تواجه التحديات
إن نظرة فاحصة على واقع أمتنا الإسلامية اليوم تكشف عن صورة تبعث على الأسى. نرى أمة تعاني من الضعف والهوان، تتجرع مرارة الجراح، وتفتقر إلى القدرة على الدفاع عن نفسها. أمة مستضعفة، يسيطر عليها الأعداء، في غفلة من قادتها وتشتت من شبابها. أمة متخلفة في شتى المجالات، حبيسة الجدال العقيم، وعاجزة عن تحقيق التقدم والازدهار. أمة تخلت عن تراثها، وأعرضت عن دينها، وانبهرت بإنجازات أعدائها، متخذة إياهم قدوة ومثالًا.
فهل السبب وراء هذا الوضع المتردي هو مكر الأعداء وكيدهم ومؤامراتهم؟
نعم ولا: وجهان للحقيقة
الإجابة تحمل شقين: نعم، ولا في آن واحد. نعم، لأن الأعداء متحدون في عداوتنا، متفقون على المكر بنا والكيد لنا. فهم يحيكون المؤامرات ويسعون جاهدين لإضعافنا وتشتيتنا. ولا ينكر ذلك إلا جاهل أو متجاهل. فالمؤامرات حقيقة واقعة، والكيد في أوجه.
إلا أن هذا ليس السبب الوحيد. فمتى سلمت أمة من الأعداء؟ لقد قامت الدولة الإسلامية في عهد النبي صلى الله عليه وسلم رغم وجود المتربصين الذين يسعون للقضاء عليها. وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم، ارتد الكثير من العرب، لكن الإسلام استمر في الانتشار والعزة رغم كيد الأعداء.
العجز والوهن: السبب الحقيقي
إذن، ما هو السبب الحقيقي وراء ما نحن فيه، بالإضافة إلى مكر الأعداء؟ إنه العجز والقعود والوهن الذي أصاب أبناء الأمة. إنه استسلامنا وخضوعنا لهذا المكر والخداع. فالمشكلة ليست فقط في وجود الاستعمار، بل في قابليتنا للاستعمار.
وقد لخص النبي صلى الله عليه وسلم هذا الوضع بقوله: "يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها"، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: "بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الَوَهْنُ"، فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: "حب الدنيا، وكراهية الموت".
أساليب المكر الخبيثة:
إن الأعداء يستخدمون أساليب متنوعة وخبيثة للإيقاع بالأمة الإسلامية، منها:
- التنصير: تحت ستار التبشير، تنفق المنظمات التنصيرية المليارات من الدولارات لنشر أفكارها وتضليل المسلمين.
- الغزو الفكري: من خلال الاستشراق والتيارات الفكرية الهدامة، يسعى الأعداء إلى تشكيك المسلمين في دينهم وزعزعة استقرار مجتمعاتهم.
- تسعير الشهوات: نشر الإباحية والدعوة إلى حرية الاختلاط وتقنين العلاقات الجنسية الشاذة، بهدف إغراق المسلمين في حب المادة والشهوات.
ماذا نفعل؟
بعد أن علمنا ببعض أساليب المكر الخبيثة، فماذا نحن فاعلون؟ هل نكتفي بالإدراك دون أن نحرك ساكنًا؟
يجب علينا أن ندرك خطورة الوضع وأن نتحرك بجدية لمواجهة هذه التحديات.
الثقة بنصر الله:
مع كل هذا، يجب أن نثق بنصر الله للمؤمنين وبدفاعه عنهم ما تمسكوا بدينهم واتقوا وصبروا. فالله محيط بأعمال الأعداء، وعاقبة مكرهم هي الخسران والبوار.
نظرة شاملة للمكر السيئ:
في هذا الملف، لن نقتصر على تناول مكر الأعداء فقط، بل سنتناول المكر السيئ بمعناه الشامل وبجميع جوانبه. سنبين المعنى العام للمكر ومترادفاته وصوره ومراتبه وأنواعه، من مكر العبد بالذنوب، ومكر الشيطان بالإنسان، ونسبة المكر إلى الله تعالى، وصفات الماكرين وأساليبهم الخبيثة في الكيد. كما سيتناول الملف أسباب المكر السيئ، والحصاد المر لكيد الأعادي على المجتمع الإسلامي، وبعدها نعرج على نهايات الخبثاء الماكرين، ثم نقدم أخيرًا سبل النجاة من مكر الماكرين وكيد الكائدين.
نسأل الله أن ينفع بهذا الملف كل من تعاونوا سويًا على إخراجه بهذه الصورة، ومن يطالعونه ويتنقلون بين مواده الغزيرة المفيدة.
اترك تعليقاً