خيمة تحت الأرض: معركة الصبر والتوكل على الله

خيمة تحت الأرض: معركة الصبر والتوكل على الله

الحمد لله الذي جعل الصبر جُنّة للمؤمنين، وجعل الابتلاء غربالًا يميز به الخبيث من الطيب، ورفع أهل الصبر درجات في الدنيا والآخرة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة نرجو بها النجاة يوم لا ينفع مال ولا بنون، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، المبعوث رحمة للعالمين.

أما بعد:

فإن غزة اليوم تمثّل آية من آيات الله في صبر المؤمنين وثباتهم على الحق، رغم المحن التي تتوالى عليهم كأمواج البحر المتلاطمة. وبينما تتصاعد المظالم ويتجبر العدو في بطشه، نجد في أرض غزة رجالًا ونساءً وأطفالًا يثبتون كأنهم جبال شامخة، لا تزعزعهم الرياح ولا تخيفهم العواصف.

الابتلاء والصبر: سنة الله في عباده

لقد اقتضت حكمة الله سبحانه أن يجعل الدنيا دار ابتلاء وامتحان، ليظهر فيها عباده الصابرون الصادقون. يقول الله تعالى: “أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب” [البقرة: 214].

وفي غزة، نجد مثالًا جليًا لهذا الابتلاء الذي يكشف معادن الناس ويُظهر المؤمنين الصابرين الذين يحتسبون أمرهم لله وحده.

خيمة تحت الأرض التي وثقها الصحفي علاء حمودة ليست مجرد مأوى من القصف وبرد الشتاء، بل هي صورة حية لصبر المؤمنين الذين يلجأون إلى الله عند الشدائد، متوكلين عليه، عاملين بقول النبي صلى الله عليه وسلم: “اعقلها وتوكل” [رواه الترمذي].

عرض هذا المنشور على Instagram

‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎علاء حمودة‎‏ (@‏‎alaa_hamouda2‎‏)‎‏

التوكل على الله والأخذ بالأسباب

إن التوكل على الله عز وجل لا يعني القعود وترك الأسباب، بل يعني الاعتماد على الله مع بذل الجهد. فما صنعه هذا الرجل الفلسطيني، بحفر ملجأ تحت الأرض لأسرته، إنما هو صورة من صور التوكل الصحيح، الذي يجمع بين الإيمان بقدرة الله والقيام بما يقدر عليه الإنسان.

قال ابن القيم رحمه الله:
“التوكل هو صدق اعتماد القلب على الله عز وجل في جلب المصالح ودفع المضار، من أمور الدنيا والآخرة، وأن يكل العبد أموره كلها إلى الله، مع بذل الأسباب التي أمر الله بها عباده.”

وهذا ما نراه في أهل غزة، الذين يعلمون أن النصر بيد الله وحده، ومع ذلك لا يتركون أسباب الدفاع والبقاء، بل يبتكرون ويعملون ما في وسعهم لدرء الخطر عنهم وعن أهلهم.

مشاهد الظلم وبشاعة العدوان

إن ما يقع في غزة من قتل وتشريد وحصار هو من أعظم صور الظلم والبغي الذي حرّمه الله عز وجل. يقول الله تعالى: “ولا تحسبن الله غافلًا عما يعمل الظالمون” [إبراهيم: 42].

  • قتل النساء والأطفال بلا رحمة.
  • قصف المستشفيات والمدارس ومخيمات اللاجئين.
  • ترك الجثث في العراء، تنهشها الكلاب الضالة.

كل هذه الجرائم هي دلائل على تجبّر الظالمين الذين تجاوزوا كل حدود الإنسانية، لكنهم غفلوا عن قول الله تعالى: “إن بطش ربك لشديد” [البروج: 12].

غزة مدرسة الإيمان والصبر

إن غزة لا تعلّمنا فقط معاني الصبر والتوكل، بل تُرينا كيف يمكن للمؤمن أن يكون قويًا بإيمانه حتى في أحلك الظروف.

قال ابن القيم رحمه الله:
“الصبر على البلاء هو من أعظم منازل السالكين، وبه تُنال أعالي الدرجات في الدنيا والآخرة.”

وفي غزة، نجد أهلها يرددون بقلوب مطمئنة قول الله تعالى: “قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون” [التوبة: 51].

رسالة إلى الأمة الإسلامية

أيها المسلمون، إن ما يحدث في غزة اليوم هو امتحان لنا جميعًا:

  • هل نشعر بألم إخواننا هناك؟
  • هل نبذل ما في وسعنا لنصرتهم؟
  • هل ندعو الله لهم ليلًا ونهارًا؟

قال النبي صلى الله عليه وسلم: “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا” [رواه البخاري]. فلا يليق بنا أن نرى ما يحدث لإخواننا هناك ونقف مكتوفي الأيدي.

لنكن عونًا لهم بالدعاء، وبالكلمة الصادقة، وبالمساعدة المادية، فإن أقل القليل هو أن نكون معهم بقلوبنا وألسنتنا.

خاتمة: بشرى الصابرين

وفي الختام، نذكر أهل غزة بقول الله تعالى: “فإن مع العسر يسرًا. إن مع العسر يسرًا” [الشرح: 5-6].

واعلموا أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملًا، وأن النصر قادم بإذن الله، فإن الله وعد عباده المؤمنين بالنصر، فقال: “وكان حقًا علينا نصر المؤمنين” [الروم: 47].

نسأل الله العظيم أن يفرج عن أهل غزة، وأن يعينهم على صبرهم، وأن يعجل لهم بالنصر والتمكين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *