رحمة الله للبائع والمشتري: السماحة في المعاملات المالية
يُعدّ التسامح واللين في المعاملات المالية من أهم سمات المسلم، وهو ما حثّ عليه النبي صلى الله عليه وسلم في العديد من الأحاديث الشريفة. ففي حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، الذي رواه البخاري في صحيحه (رقم 2076)، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى». هذا الحديث الكريم يُبرز أهمية السماحة في ثلاثة جوانب أساسية من المعاملات المالية: البيع، والشراء، وقضاء الدين.
معنى السماحة في المعاملات المالية:
لفهم الحديث بشكل أعمق، علينا أولاً أن نُفصّل معنى كلمة "سَمْحًا" في هذا السياق. فهي تعني الجود، والتساهل، والتجاوز عن بعض الحقوق، والرفق بالآخرين. فالسماح في البيع يعني عدم الغشّ أو بخس السلعة، وعدم المبالغة في الربح، والإنصاف في التعامل. أما السماحة في الشراء، فتُشير إلى عدم بخس البائع حقه، وعدم المساومة بشكل جائر، والتعامل معه بالعدل والإنصاف. وأخيرًا، السماحة في اقتضاء الدين تعني طلب الحقوق بالرفق واللين، وتجنب العنف والغلظة في التعامل مع المدين.
أبعاد السماحة في البيع والشراء:
يتجلى تطبيق السماحة في البيع والشراء من خلال عدة أمور، منها:
- الصدق والأمانة: يجب على البائع أن يصف السلعة وصفًا دقيقًا، وأن يُبيّن عيوبها إن وجدت، وأن لا يُخفي أي معلومات جوهرية قد تُؤثر على قرار المشتري.
- العدل في التسعير: يُمنع المبالغة في الأسعار أو استغلال حاجة المشتري، بل يجب أن يكون الثمن عادلًا ومنصفًا للطرفين.
- التساهل في المساومة: يُستحبّ التساهل في المساومة والتفاوض، والوصول إلى اتفاق يُرضي الطرفين، دون جشع أو إصرار على الربح المادي فقط.
السماحة في قضاء الدين:
السماحة في قضاء الدين تُمثل جانبًا هامًا من جوانب التعاملات المالية الإسلامية. فهي تدعو إلى الرفق واللين مع المدين، وتجنب الضغط عليه أو إلحاق الأذى به. بعض مظاهر السماحة في قضاء الدين:
- التأجيل: إذا كان المدين يعاني من ضائقة مالية، فمن المستحبّ تأجيل سداد الدين إلى وقتٍ يكون فيه المدين قادرًا على السداد.
- التنازل عن جزء من الدين: في بعض الحالات، قد يتنازل الدائن عن جزء من الدين، خاصةً إذا كان المدين غير قادر على السداد الكامل.
- الرفق في المطالبة: يجب أن يكون طلب الدين بلطفٍ ورفقٍ، وتجنب استخدام الألفاظ الجارحة أو التهديد.
ثواب السماحة ورحمة الله:
إنّ السماحة في المعاملات المالية ليست مجرد توصية أخلاقية، بل هي سلوكٌ يُنال به رضا الله ورحمته، كما جاء في الحديث الشريف. فالله سبحانه وتعالى يُحبّ عباده السمحين، ويُكافئهم على حسن تعاملهم مع الآخرين، ويُعينهم على أمورهم الدنيوية والآخرة. إنّ السماحة تُعزز العلاقات الاجتماعية، وتُنمّي الثقة بين الناس، وتُساهم في بناء مجتمعٍ قائم على العدل والإنصاف.
اترك تعليقاً