علامات محبة الله لعبده: دلائلٌ من السماء ورضوانٌ في الأرض
تُعدُّ محبة الله تعالى للعبد غايةً ساميةً يسعى إليها كل مسلم، فهي منحةٌ إلهيةٌ تُضفي على الحياة معنىً عميقاً، وتُنير القلب بنور السعادة والطمأنينة. فما هي علامات هذه المحبة الإلهية العظيمة؟ وكيف يُمكن للمؤمن أن يحظى بها؟ سنستعرض في هذا المقال بعضاً من أهم دلائل محبة الله لعبده، مستندين إلى القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
محبة الله: غايةٌ ساميةٌ وسعادةٌ أبدية
يُشكل حب الله تعالى للعبد أساس سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة. فهو غذاء الروح، وسبب الاطمئنان، ودافعٌ قويٌّ للبعد عن المعاصي والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى. يقول الله تعالى في كتابه الكريم:
قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران: 31]
هذه الآية الكريمة تُبين لنا أن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم هو السبيل الرئيسي لنيل محبة الله. كما ورد في سورة المائدة:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [المائدة: 54]
فالله يُحب من يُحبه ويُجاهد في سبيله. ولكن، هل هناك حبٌ أسمى من حب الله؟ نعم، أسمى حب هو أن يحبك الله عز وجل، فذلك يعني توفيقه لك لما فيه الخير في الدنيا والآخرة.
علامات محبة الله لعبده:
هناك العديد من العلامات التي تدل على محبة الله لعبده، نذكر منها:
-
توفيقه للإيمان والتقوى: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله قسم بينكم أخلاقكم، كما قسم بينكم أرزاقكم، وإن الله يؤتي المال من يحب ومن لا يحب، ولا يؤتي الإيمان إلا من أحبَّ، فإذا أحب اللهُ عبدًا، أعطاه الإيمان)) [صحيح الترغيب والترهيب (1571)]. فالإيمان القوي والعمل الصالح هما أساس محبة الله.
-
اتباع السنة النبوية: كما ذكرنا سابقاً، اتباع النبي صلى الله عليه وسلم هو سبيلٌ رئيسي لنيل محبة الله، فكلما زاد حرص العبد على اتباع السنة والعمل بها، دل ذلك على محبة الله له.
-
التسديد في الأقوال والأفعال: أن يُوفق العبد للطاعات ويُحجب عن المحرمات، وهذا يدل على محبة الله له. يقول تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].
-
التجرد في الحب والبغض: أن يكون حبُّه وبغضه لله تعالى خالصاً، ولا يكون لأجل دنيا أو بشر. يُوالي أولياء الله ويعادي أعداءه. كما جاء في الحديث القدسي: ((قال الله تبارك وتعالى: وجبت محبتي للمتحابين فيَّ، والمتجالسين فيَّ، والمتزاورين فيَّ، والمتباذلين فيَّ)) [أحمد (22030)].
-
القبول بين الناس: أن يكون العبد محبوبًا ومقبولاً لدى الناس، وهذا من علامات محبة الله له، كما ورد في سورة مريم: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ﴾ [مريم: 96]. كما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا أحبَّ الله عبدًا نادى جبريل: إن الله يحب فلانًا فأحبه، فيُحِبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلانًا فأحِبوه، فيُحبه أهل السماء، ثم يُوضَع له القبول في أهل الأرض)) [مسلم (2637)].
-
الصبر على البلاء: الصبر على البلاء والابتلاء من أهم علامات محبة الله لعبده. فكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أحب الله قومًا ابتلاهم، فمن صبر فله الصبر، ومن جزِع فله الجزَع)) [الترمذي (2396)].
-
الحماية من فتنة الدنيا: أن يحمي الله عبده من فتنة الدنيا، وأن يمنعه مما قد يضره، حتى وإن بدا ذلك حرماناً ظاهرياً. كما جاء في حديث قتادة بن النعمان: ((إذا أحب الله عبدًا، حماه الدنيا كما يظل أحدكم يحمي سقيمه الماء)) [الطبراني (4296)].
- حسن الخلق وحسن الخاتمة: أن يُوفق العبد لحسن الخلق، وأن يموت على عمل صالح. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا أحبَّ الله عبدًا عَسَلَهُ، قالوا: ما عسله يا رسول الله؟ قال: يوفِّق له عملًا صالحًا بين يدي أجَله حتى يرضى عنه جيرانه، أو قال: من حوله)) [ابن حبان (342)].
دعاء لنيل محبة الله:
يُنصح المؤمن بالدعاء لنيل محبة الله تعالى، ومن الأدعية النبوية المأثورة: ((اللهم إني أسألك حبك، وحب من يحبك، والعمل الذي يبلغني حبك، اللهم اجعل حبك أحبَّ إليَّ من نفسي وأهلي ومن الماء البارد)) [الترمذي (3235)].
نسأل الله تعالى أن يُرزقنا محبته ومحبة من يُحبه، وأن يُوفقنا لما يُرضيه.
اترك تعليقاً