في خضم تحديات الحياة وتقلباتها، يظل الإيمان بالله والتوكل عليه منارةً تضيء لنا الدروب، وتمنحنا القوة والثبات. إن المؤمن الحق يعيش بتفاؤل وثقة في وعد الله، مستلهمًا من سيرة النبي ﷺ وأصحابه الكرام دروسًا عظيمة في معايشة النصر والفرج قبل وقوعهما. فلنتأمل كيف استطاعوا، رغم الظروف الصعبة، أن يثبتوا على الإيمان وأن يبشروا بالنصر، وكيف انعكس ذلك على مسيرتهم وجهادهم.
دروس من غزوة الخندق: رؤية النصر في قلب الحصار
غزوة الخندق تجسد أروع صور الثبات والإيمان في وجه الشدائد. تخيلوا المشهد: الأحزاب مجتمعة للقضاء على الإسلام، المسلمون في حصار وجوع وخوف شديد، حتى أن القلوب بلغت الحناجر. في هذا الموقف العصيب، وبينما يحفر النبي ﷺ الخندق مع أصحابه، تظهر صخرة عظيمة تعجزهم عن كسرها.
ولكن ماذا فعل النبي ﷺ؟
- لم يستسلم لليأس، بل أخذ المعول وضرب الصخرة قائلاً: "بسم الله".
- مع كل ضربة، كان يبشر أصحابه بفتح عظيم: "الله أكبر، أُعطيتُ مفاتيح الشام! الله أكبر، فُتحت فارس! الله أكبر، أُعطيتُ مفاتيح اليمن!".
هذا هو الإيمان الحقيقي، أن ترى النصر في قلب الحصار، وأن تبشر بالفرج في أشد اللحظات.
قصة سراقة بن مالك: يقين النصر يتجاوز الواقع
في طريق الهجرة، يلاحق سراقة بن مالك النبي ﷺ طمعًا في المكافأة. لكن النبي ﷺ يدعوه إلى الإسلام ويقول له: "كيف بك إذا لبست سواري كسرى؟". وعد غريب لسراقة، وهو مشرك يرى كسرى أعظم ملوك الأرض.
ولكن ماذا حدث؟
- مرت الأيام، وفتح المسلمون فارس في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
- تحقق وعد النبي ﷺ، وارتدى سراقة سواري كسرى.
هذه القصة تجسد قوة اليقين والثقة في وعد الله، وأن المستقبل المشرق ينتظر المؤمنين الصادقين.
بشارات النبي ﷺ: رؤية المستقبل بعين الإيمان
أحاديث النبي ﷺ مليئة بالبشارات التي تعزز الأمل وتوقظ اليقين. ومن ذلك:
- "أُريت في المنام أن أصحابي يركبون البحر كالملوك على الأسرة". (رواه البخاري)
- هذه الرؤيا كانت في مكة، قبل أن يكون للمسلمين قوة أو جيش، ومع ذلك تحققت في عهد معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه.
- "ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل". (رواه أحمد)
- هذا الوعد كان في زمن بدا فيه الإسلام محاصرًا، ولكن بفضل الله ثم بجهود النبي ﷺ وأصحابه، انتشر الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها.
قصص من القرآن: معايشة الفرج في قلب الابتلاء
القرآن الكريم مليء بالقصص التي ترسخ مفهوم معايشة النجاح والفرج قبل وقوعه:
- يوسف عليه السلام في السجن: رغم وجوده في السجن، كان واثقًا من أن الله سيخرجه وأن رؤياه ستتحقق، فقال لصاحبيه: {يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا}.
- موسى عليه السلام عند البحر: حينما أدركه فرعون وجنوده، وقال قومه: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ}، رد موسى بكل ثقة: {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}.
كيف نعيش النصر قبل وقوعه؟
- الثقة بوعد الله: الإيمان بأن الله لا يخلف وعده وأن النصر حليف المؤمنين.
- التخطيط والسعي والعمل الجاد: بذل الأسباب والتوكل على الله في كل خطوة.
- الصبر عند الأزمات: اعتبار كل عقبة جزءًا من طريق النجاح.
- التفاؤل وعدم اليأس: الثقة بأن الله معنا ولن يخذلنا.
- زرع الأمل في الآخرين: نشر الإيجابية وتحفيز من حولنا على العمل والنجاح.
فلسطين وغزة: إرهاصات النصر القادم
في ظل الأحداث الجارية في فلسطين وغزة، نرى إرهاصات لقرب تحقق وعد الله ونصره على الظالمين. لقد سقط صنم الدولة الصهيونية، وتهشمت صورة جيشها، وأساء وجهها طائفة مؤمنة صدق فيهم وصف الله تعالى: {عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا}.
فلنكن من المؤمنين بوعد الله، العاملين على تحقيقه، ولنعيش بروح الأمل والتفاؤل، موقنين أن الفرج قريب، وأن النصر مع الصبر، واليسر مع العسر.
اترك تعليقاً