مقدمة: ذريعة الحماية.. بوابة للاختراق
تحاول إسرائيل جاهدة التدخل في الشأن السوري بذريعة حماية الدروز، لكن هذه المحاولة المكشوفة ليست سوى استغلال لوضع هش واختراق للعمق الوطني السوري. إنها استثمار للحظة احتجاج لتحويلها إلى مدخل استراتيجي يعيد تشكيل الجنوب السوري وفقًا لمصالحها. بينما تتأرجح الحكومة السورية الجديدة بين الغضب المتصاعد في جبل العرب والتدخلات الإسرائيلية المتزايدة، تفتح ذريعة الحماية نافذة خطيرة على خرائط التدخل والتفكيك، مما يعيد رسم الولاءات وفق معادلات مصالح القوى الكبرى والإقليمية.
الدروز في سوريا: نسيج تاريخي وواقع معقد
يشكل الدروز جزءًا أصيلًا من التركيبة الديموغرافية في الجنوب السوري، حيث يبلغ عددهم حوالي 700 ألف نسمة. يتوزعون في مناطق مختلفة مثل السويداء، الجولان، ومحيط دمشق، وحتى إدلب. حافظ الدروز تاريخيًا على خصوصية مذهبية وثقافية واجتماعية متجذرة، قوامها التماسك الداخلي والحياد السياسي النسبي. وعلى الرغم من قلة عددهم مقارنة بالمكونات الأخرى، فإن حضورهم في الوجدان الوطني السوري لا يستهان به، خاصةً وأنهم أسهموا في محطات مفصلية من التاريخ الحديث، بدءًا من الثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش، وصولًا إلى مشاركات متباينة في الحراك السياسي المعاصر.
العلاقة بين الدروز وإسرائيل: تاريخ من الاستغلال
بدأت العلاقة المعقدة بين الدروز في سوريا وإسرائيل بعد حرب 1967 واحتلال الجولان. وجدت تل أبيب في الدروز، بحكم وجود شريحة منهم في الجولان المحتل، فرصة لبناء صلات ناعمة قوامها الأمن والامتيازات مقابل التعاون. استثمرت إسرائيل في هذا الخيط الطائفي كأداة اختراق بعيدة المدى، ونجحت في جذب دروز الجولان إلى صفها، بينما بقيت الأغلبية الساحقة من دروز سوريا متمسكة بانتمائها العربي.
سياسات النظام السوري تجاه الدروز: استيعاب وتهميش
تبنى نظام حافظ الأسد سياسة استيعاب ناعم للدروز، عبر ضمان الحضور الشكلي لبعض رموزهم في المؤسسات الرسمية، وتقديم وعود بالأمان مقابل الابتعاد عن السياسة. كان ذلك جزءًا من معادلة أوسع لإدارة التوازنات الطائفية داخل الدولة الأمنية. حظي الدروز بمكانة، دون أن تُترجم إلى سلطة فعلية أو حضور مؤثر في مراكز القرار. ومع وصول بشار الأسد إلى السلطة، استمرت هذه السياسة ولكن بقدر أكبر من التهميش، في ظل انشغال النظام بتعزيز هيمنة الحلقة العلوية الضيقة، وتراجع مفهوم التعددية الشكلية.
الثورة السورية والدروز: حذر وانقسام
مع اندلاع الثورة السورية، دخل الدروز، كغيرهم من مكونات المجتمع، في حالة من الحذر والانقسام. آثر كثير منهم الوقوف على الحياد، بينما انخرط آخرون في الدفاع عن مناطقهم ضمن تشكيلات محلية. تعامل النظام معهم كورقة احتياطية أكثر من كونه حليفًا استراتيجيًا. ومع تصاعد الاحتجاجات في السويداء خلال السنوات الأخيرة، وانهيار الخدمات، وتراكم الشعور بالخذلان، بدأ جيل جديد من أبناء الطائفة في إعادة التفكير بموقعهم السياسي، متجاوزين خطاب الحياد، وطامحين لدور فاعل في بناء مصيرهم.
استغلال إسرائيل للوضع الراهن: ذريعة التدخل
لم يظهر لدى بعض القوى الدرزية توجه نحو الاندماج الوطني الكامل في الدولة السورية الحديثة، بل سلكت خيار المواجهة المبكرة مع السلطة المركزية، حتى قبل أن تتضح معالم الدولة ومؤسساتها الفتية. هذا التوجه لم يقتصر على الصدام الداخلي، بل تجاوزه إلى محاولات متكررة لاستدعاء الخارج والتلويح به كحامٍ أو ضامن. هنا أدركت تل أبيب أن الجنوب السوري، وبالأخص مناطق الطائفة الدرزية، تمثل ذريعة مناسبة للتدخل في الشأن السوري، وهو ما دفعها إلى تسريع تدخلاتها باسم حماية الدروز، محاولة اقتناص اللحظة وتقديم نفسها كحامٍ للمكوّن الدرزي، في مسعى خبيث لاختراق الداخل السوري من بوابة التذرّع الإنساني.
أهداف إسرائيل من وراء "حماية الدروز":
لا يمكن لعاقل أن يقبل بادعاء إسرائيل حول تدخلها لحماية الدروز على أنه موقف أخلاقي. إنها خطوة محسوبة ضمن إطار استراتيجي دقيق، تهدف إلى:
- تقويض الشرعية السيادية للحكومة السورية الجديدة أمام العالم.
- اختبار قدرة النظام الجديد على السيطرة على الجنوب.
- زرع بذور الشك بين المكونات المحلية وحكومة الشرع، مع إقناع الأقليات بأن إسرائيل أقرب من الدولة الأم.
- فتح نافذة لاختراق سياسي وعسكري في سوريا بمظهر إنساني.
خطر الانجرار وراء المخططات الإسرائيلية:
إن الانجرار وراء المخططات الإسرائيلية يشكل خطرًا بالغًا، وسيؤدي إلى:
- تفكيك الروابط الوطنية بين الدروز وبقية السوريين.
- إعادة إنتاج النموذج اللبناني بميليشيات طائفية لها مرجعية خارجية.
- فتح ثغرات أمنية لإسرائيل في العمق السوري باسم الحماية.
دعوة إلى الحكمة وتغليب المصلحة الوطنية
اليوم؛ تجد الطائفة الدرزية نفسها أمام مفترق طرق حاسم، إما أن تعيد توطيد علاقتها بالحكومة السورية الجديدة مع إصلاح داخلي جذري، أو أن يتم جرّها إلى مشروع تقسيم ناعم، يشرّع الاحتلال باسم الأمن والحماية. السيناريو الأنسب أن يستيقظ عقلاء الطائفة ويبحثوا لها عن قارب نجاة بعيدًا عن عواصف العواطف الطائفية الهوجاء، ولن يكون ذلك إلا بالتوافق مع أبناء جلدتهم ووطنهم.
اترك تعليقاً