فدية الحج: أنواعها، أحكامها، وأدلتها الشرعية
يُشترط في الحج إتمام مناسكه على أكمل وجه، وقد يقع بعض المحظورات أو يُترك بعض الواجبات، أو يُحصر الحاج عن إتمام نسكه، مما يستوجب عليه دفع فدية. تتنوع هذه الفدية حسب نوع الفعل المحظور أو الواجب المترك، وتنقسم بشكل رئيسي إلى قسمين: فدية على التخيير، وفدية على الترتيب.
فدية التخيير
تُمنح في هذه الفدية خيارات متعددة للحاج، و تنقسم إلى نوعين رئيسيين:
النوع الأول: خيارات متعددة لمحظورات متنوعة
يُخيَّر الحاج هنا بين ثلاث خيارات:
- ذبح شاة: وهو الخيار الأكثر شيوعاً.
- صيام ثلاثة أيام: يُشترط أن يكون الصيام متتابعاً.
- إطعام ستة مساكين: لكل مسكين مُدٌّ من القمح، أو مُدّان من غير القمح كالتمر والشعير والزبيب (والمدّ هو ملء كفّتي الرجل المتوسط).
يُشترط هذا النوع من الفدية في حالتين:
أولاً: محظورات يستوي فيها العمد وغير العمد (الخطأ، النسيان، والإكراه):
يشمل هذا النوع من المحظورات:
- إزالة ثلاث شعرات أو أكثر من الرأس أو الجسم: استناداً لقول الله تعالى: ﴿ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ﴾ [البقرة: 196]، ولحديث كعب بن عجرة رضي الله عنه. (صحيح البخاري (5665)، ومسلم (1201)).
- إزالة ثلاثة أظفار أو أكثر من أظافر اليدين أو القدمين: أما أقل من ذلك، فتجب فيه صدقة عن كل ظفر أو شعرة.
- المباشرة (التقبيل، الضمّ، ونحو ذلك) بدون إنزال: في هذه الحالة تجب الفدية، وليس البدن. (الشرح الممتع (7/162)).
- خروج المني بسبب النظر إلى النساء: لأنه فعل محرم أثناء الإحرام.
ثانياً: محظورات يجب فيها الفدية في حال العمد فقط:
لا تجب الفدية في هذه الحالة إلا في حالة العمد، أما النسيان أو الجهل فلا شيء عليه، استناداً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تعالى وضع عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استُكرهوا عليه)) (صحيح الجامع (1836)، صححه الألباني). ومن هذه المحظورات:
- لبس المخيط أثناء الإحرام.
النوع الثاني: فدية قتل الصيد
يُخيَّر الحاج هنا أيضًا بين ثلاث خيارات في حالة قتل الصيد عمداً أو خطأً أو نسياناً:
- ذبح بهيمة أنعام مماثلة للصيد: يُحكم بالمماثلة ذوا عدل من المؤمنين، ويُوزع اللحم على فقراء الحرم.
- شراء طعام بقيمة البهيمة وتوزيعه على المساكين: بحيث يكون الطعام من جنس ما يخرج في زكاة الفطر.
- صيام عدد من الأيام يعادل عدد المساكين الذين كان سيُطعمهم: يُحدد ذلك حسب قيمة الصيد.
والدليل على ذلك قول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ ﴾ [المائدة: 95]. وجوب الفدية في حالة الخطأ والنسيان ثابت بالسنة النبوية. (رواه أبو داود، وابن ماجه، واللفظ له، من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما).
فدية الترتيب
في هذا النوع، لا يُعطى الحاج خيارات، بل يُشترط عليه دم (ذبح شاة، أو سبع ناقة، أو سبع بقرة)، فإن عجز عن ذلك فعليه الصيام: ثلاثة أيام في الحج، وسبعة أيام عند الرجوع إلى أهله. يُشترط هذا النوع من الفدية في الحالات التالية:
- الحج متمتعًا أو قارنًا، أو ترك واجب من واجبات الحج: ﴿ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ﴾ [البقرة: 196].
- عدم صيام أيام التسع: يجوز صيام أيام التشريق لمن لم يصم أيام التسع. (السلسبيل في معرفة الدليل (344)، مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز (15/ 379)، صحيح البخاري (1998)).
- المُحصَر (منُع من إتمام النسك): ﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ﴾ [البقرة: 196]. (صحيح البخاري (1810)، ومسلم (1230)).
- الجماع قبل التحلل الأول: يُوجب ذلك ذبح بدنة. (الموطأ (1/ 384)).
- الجماع بعد التحلل الأول: يُوجب ذلك ذبح شاة.
- الجماع في العمرة قبل التحلل: يُوجب ذلك ذبح شاة، بالإضافة إلى قضاء العمرة. ("اللقاء الشهري" (54/9)).
ملاحظة: يُنصح بالرجوع إلى أهل العلم والفتاوى الموثوقة لتفاصيل أكثر دقة حول أحكام الفدية في الحج.
اترك تعليقاً