فضل أهل البيت: محبة لا تعصب، وعدل لا انتقام

مقدمة: بين المحبة والإنصاف

قال تعالى عن إبراهيم وإسحاق عليهما السلام: {وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ} [الصافات: 113]، وقال سبحانه: {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ} [هود: 73]. هاتان الآيتان الكريمتان ترسمان لنا منهجًا واضحًا في التعامل مع أهل البيت، سواء كانوا من ذرية إبراهيم أو من آل محمد صلى الله عليه وسلم. ففي كل بيت، يوجد الصالح والطالح، المحسن والمسيء. فكيف نتعامل مع هذا الواقع؟

وجوب محبة أهل البيت: أمانة في أعناق المسلمين

إن حب أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم واجب على كل مسلم، وهو من الأمور التي تثقل الميزان يوم القيامة. هذا الحب ليس مجرد شعور عابر، بل هو امتثال لأمر النبي صلى الله عليه وسلم وتطبيق لسنته.

روى الإمام مسلم في صحيحه (2408) من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أما بعد، ألا أيها الناس! فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به». فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: «وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي».

هذا الحديث النبوي الشريف يوضح لنا أهمية التمسك بكتاب الله وسنة نبيه، ويذكرنا بفضل أهل البيت ومكانتهم.

من هم أهل البيت؟

أهل البيت مصطلح واسع يشمل:

  • بنات النبي صلى الله عليه وسلم: فاطمة، زينب، رقية، وأم كلثوم رضي الله عنهن.
  • أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: أمهات المؤمنين رضي الله عنهن.
  • أقارب النبي صلى الله عليه وسلم: علي بن أبي طالب، جعفر بن أبي طالب، حمزة بن عبد المطلب، العباس بن عبد المطلب، عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب.
  • أبناء علي: الحسن، الحسين، محمد بن الحنفية، عمر بن علي، العباس بن علي.
  • أبناء العباس: عبد الله بن عباس، عبد الله بن جعفر.
  • ذريتهم: سائر أولادهم وذريتهم.

التحذير من بغض أهل البيت: خطر عظيم

يجب الحذر من بغض أهل البيت بسبب أفعال بعضهم. فكما أن بعض الناس يفتن بسبب أفعال بعض المسلمين المخالفة للشرع، فيبغض بسببهم الإسلام وجميع المسلمين، فكذلك بعض الناس يفتن بسبب بعض أفعال أهل البيت المخالفة للشرع والعدل والأخلاق، فيبغض جميع أهل البيت عليهم السلام. وهذا خطأ فادح يجب تجنبه.

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، لا يبغضنا أهل البيت رجل إلا أدخله الله النار». [رواه ابن حبان في صحيحه (6978) وحسنه الأرناؤوط في تحقيقه لصحيح ابن حبان، وصححه الألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (2488)]

فضل الصلاة على النبي وآله: تكريم ومحبة

إن الله سبحانه وتعالى أمرنا بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وآله، وهذا دليل على فضلهم ومكانتهم الرفيعة. قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].

روى الإمامان البخاري ومسلم عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: قلنا: يا رسول الله، قد عرفنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك؟ قال: «قولوا: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد».

الخلاصة: منهج الاعتدال والإنصاف

إن التعامل مع أهل البيت يجب أن يكون مبنيًا على الاعتدال والإنصاف، فنحب الصالحين منهم ونترحم عليهم، ونتجنب بغضهم بسبب أفعال بعضهم. فالحب والتقدير لا يعنيان العصمة، والعدل يقتضي عدم التعميم.

للمزيد من التوسع:

  • كتاب حقوق آل البيت لشيخ الإسلام ابن تيمية.
  • كتاب فضل أهل البيت وعلو مكانتهم عند أهل السنة والجماعة للشيخ عبد المحسن العباد البدر.
  • رسالة: فضائل أهل بيت النبوة في كتب السنة، للكاتب.

المصدر: موقع طريق الإسلام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *