في رحلة الإيمان، لا تقل أهمية نهاية العمل الصالح عن بدايته. فالعاقل هو من يسعى أن تكون خاتمة أعماله مشرقة كإشراق بدايتها، وأن يحافظ على الطاعة التي وفقه الله إليها حتى يلقاه بها يوم القيامة سليمة من الشوائب. الاهتمام بنهاية الأعمال والحرص على المحافظة عليها هو منهج إسلامي أصيل، كما دعا إليه ربنا في قوله: {وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً} [الإسراء: 80].
إليك بعض الأمور التي ينبغي مراعاتها عند التعامل مع الطاعات بعد انتهائها:
1. الاستغفار وتجديد العهد مع الله: مفتاح الاستمرار
تجديد العهد مع الله يكون بالاستغفار والإنابة والتوبة. فالتوبة ليست فقط عن الذنوب، بل هي أيضًا عن التقصير الذي قد يصاحب الطاعة. والاستغفار بعد الطاعة اعتراف بالقصور البشري والحاجة الدائمة إلى عون الله.
- أقوال السلف: سُئل سهل عن الاستغفار الذي يكفر الذنوب فقال: «أول الاستغفار الاستجابة، ثم الإنابة، ثم التوبة، فالاستجابة أعمال الجوارح، والإنابة أعمال القلوب، والتوبة إقباله على مولاه، بأن يترك الخلق ثم يستغفر الله من تقصيره الذي هو فيه.»
- أدلة من القرآن والسنة:
- {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْـمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} [محمد: 19].
- {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [البقرة: 199].
- عن ثوبان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا انصرف من صلاته استغفر الله ثلاثاً.
2. الدعاء: رجاء وخوف، قبولاً وتثبيتاً
الدعاء هو روح العبادة، وهو مطلوب في كل وقت، وأكثر ما يكون عند الانتهاء من الطاعة. ندعو الله أن يتقبل منا وأن يثبتنا على الحق.
- قدوة الأنبياء: إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام كانا يدعوان الله أن يتقبل منهما عند رفع قواعد البيت: {وَإذْ يَرْفَعُ إبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 127].
- هدي النبي صلى الله عليه وسلم: عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده فقال: «يا معاذ والله إني لأحبك» فقال معاذ: بأبي أنت وأمي والله إني لأحبك فقال: «يا معاذ أوصيك أن لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك».
الاستعانة بالله هي أساس المداومة على الطاعة. فبدون توفيقه وهدايته، لا يمكن للعبد أن يستمر في طريق الحق. {إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعِينُ 5 اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْـمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: ٥، ٦].
3. الشكر والثناء: اعتراف بالفضل وإقرار بالنعم
بعد فعل الطاعة، نحمد الله ونثني عليه أن وفقنا لها. "الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات". فكل نعمة من الله تستوجب الشكر، والتوفيق للشكر عليها نعمة أخرى تستوجب الشكر.
- الشكر الحقيقي: هو ظهور أثر نعمة الله على لسان العبد ثناء واعترافاً، وعلى قلبه شهوداً ومحبة، وعلى جوارحه انقياداً وطاعةً.
- المداومة على الطاعة: من شكر الطاعة أن تداوم عليها وإن قلت، فخير الأعمال أدومها وإن قل.
4. الفرح بالطاعة: دون منٍّ أو مفاخرة
الفرح الحقيقي هو الفرح بطاعة الله وزيادة الحسنات. هذا الفرح بفضل الله ورحمته وقربه هو خير مما يجمع الناس من متاع الدنيا.
- {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّـمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ 57 قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 57، 58].
- قرة عين النبي صلى الله عليه وسلم: "وجعلت قرة عيني في الصلاة".
- فرح الصحابة: كان الصحابة يفرحون بعمل الخير.
تنبيه هام:
- لا تمنّ بطاعتك: كل ما نُوفق إليه من الطاعات هو محض فضل من الله.
- لا تتفاخر على أحد: رب حسنة أدخلت صاحبها النار، ورب سيئة أدخلت صاحبها الجنة.
قال بعض السلف: "إن العبد ليعمل الذنب يدخل به الجنة ويعمل الحسنة يدخل بها النار". فالأمر كله بتوفيق الله ورحمته، وسلامة القلب من العجب والرياء.
اترك تعليقاً