كيف يتغلب القرآن الكريم على الضغط النفسي المزمن: دروس من قصة يعقوب عليه السلام

تُعاني البشرية من الضغط النفسي المزمن بشكل متزايد، فكيف يمكننا التغلب عليه؟ يقدم لنا القرآن الكريم، من خلال قصة يعقوب عليه السلام، دروسًا قيّمة تُساعدنا على مواجهة هذا التحدي. سنستعرض في هذا المقال تعريف الضغط النفسي من منظور إسلامي، ونناقش آيات قرآنية تُلقي الضوء على هذا الموضوع، بالإضافة إلى استعراض طرق عملية للتغلب على اليأس والقنوط.

قصة يعقوب عليه السلام: درس في الصبر واليقين

تُجسّد قصة يعقوب عليه السلام، كما وردت في سورة يوسف، نموذجًا رائعًا للصبر واليقين في مواجهة المصائب. فقد فقد يعقوب ابنه يوسف، ثم تعرض لحزنٍ بالغٍ عند فقدان ابنه بنيامين، كما نراه في الآيات:

﴿ وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَاأَسَفَا عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ﴾ [يوسف: 84]

﴿ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ ﴾ [يوسف: 86]

لكن يعقوب لم يستسلم ليأسِه، بل لجأ إلى الله عز وجل، مُتوكلاً عليه، مُتسلحًا بالصبر واليقين. هذا النهج هو جوهر العلاج القرآني للضغط النفسي المزمن.

الضغط النفسي المزمن: منظور إسلامي

يُعرف الضغط النفسي المزمن في الغرب بأنه رد فعل متعدد الأبعاد (نفسي وجسدي) تجاه أحداث لا يمكن تغييرها أو وقفها، مصحوبًا بشعور بالعجز وعدم القدرة على حل المشكلة. لكن من منظور إسلامي، يُمكن تعريف الضغط النفسي المزمن بأنه حالة يأس وقنوط مستمرة، ناتجة عن مصيبة يصعب على العبد مواجهتها. وهذه المصيبة قد تكون:

• بلاءً: اختبار من الله لزيادة إيمان العبد وصبره.
• عقوبةً مخففة: كفارة وتذكير وتطهير من الخطايا.

من المهم التفريق بين المصيبة، البلاء، والعقوبة:

• المصيبة: كل ما يصيب الإنسان في حياته.
• البلاء: مصيبة خاصة تقع على العبد المكلّف لاختباره.
• العقوبة: مصيبة خاصة جزاءً على ذنب. وتنقسم إلى عقوبة مخففة (كفارة) وعقوبة مغلظة (عقاب).

آيات قرآنية تُساعد على التغلب على الضغط النفسي

تُقدم لنا العديد من آيات القرآن الكريم أمثلةً على كيفية التعامل مع المصائب والضغوط النفسية:

• ﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ﴾ [الفجر: 15، 16].
• ﴿ وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ ﴾ [هود: 9].
• ﴿ لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ ﴾ [فصلت: 49].
• ﴿ وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ ﴾ [الروم: 36].

هذه الآيات تُبرز أهمية الصبر، حسن الظن بالله، وعدم اليأس من رحمته.

طرق عملية للتغلب على الضغط النفسي المزمن

لتجاوز الضغط النفسي المزمن، نحتاج إلى نهج شامل يجمع بين الفهم العقلي والعمل العملي:

1. نهل الحكمة من القرآن الكريم وقصصه: يُقدم القرآن الكريم قصصًا وحِكَمًا تُساعدنا على فهم الحياة ومواجهة تحدياتها. استفد من تفاسير القرآن وكتب السيرة النبوية.

2. التجمع مع الناس الصالحة: الاجتماع مع المؤمنين يُعزز الإيمان ويساعد على التغلب على اليأس. التواصي بالحق والصبر أمرٌ ضروري.

3. مُحاربة التسويف: التسويف يُفاقم المشاكل ويُزيد من القنوط. ابدأ بالعمل على حل مشاكلك خطوة بخطوة. تذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "كُنْ في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل".

4. الصبر: الصبر هو مفتاح التغلب على المصائب. تعريفات جميلة للصبر: "هو تجرُّع المرارة من غير تعبُّس" ، "هو الاستعانة بالله".

5. حسن الظن بالله: الثقة بالله ورحمته تُساعد على التغلب على اليأس. تذكر آياتٍ تُؤكد على رحمة الله وعلمه وحكمته.

6. معرفة الله عز وجل: التأمل في أسماء الله وصفاته يُقوي الإيمان ويزيد من الثقة بالله.

خاتمة

إن التغلب على الضغط النفسي المزمن يحتاج إلى إيمانٍ راسخٍ بالله، وصبرٍ جميل، وحسن ظنٍّ بربه. يُقدم لنا القرآن الكريم دروسًا قيّمة تُساعدنا على مواجهة هذا التحدي، فلتكن قصة يعقوب عليه السلام مصدر إلهامٍ لنا في رحلتنا نحو السلام النفسي.

المراجع:

1. القرآن الكريم.
2. تفسير فتح القدير، محمد بن علي الشوكاني.
3. موسوعة الأخلاق والزهد والرقائق، ياسر عبد الرحمن.
4. عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين، ابن القيِّم الجوزية.
5. فقه الابتلاء، أبو فيصل البدراني.
6. Andrew Huberman: tools for managing stress and anxiety
7. Stress facts and theories – literature review

المصدر: شبكة الألوكة