مقدمة: بريق الدنيا الخادع
كم مرة شعرت بالإغراء وأنت تتأمل مظاهر الترف والجمال في حياة الآخرين؟ بيوت فارهة، أثاث أنيق، صور براقة… قد يظن البعض أن هذه المظاهر دليل على السعادة والنجاح، ولكن هل هذا صحيح؟ القرآن الكريم والسنة النبوية يقدمان لنا منظورًا مختلفًا، يحذرنا من الانبهار الزائد بزخارف الدنيا، ويذكرنا بالهدف الأسمى: الآخرة.
آيات بينات: تذكير بعاقبة الانبهار
يقول الله تعالى في كتابه العزيز: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا} (مريم: 74). هذه الآية الكريمة تذكرنا بأقوام سابقين كانوا أشد قوة وأكثر ثراءً وجمالاً، ولكنهم أهلكوا بسبب كفرهم وغرورهم. فهل العبرة في كثرة المال وحسن المظهر، أم في صلاح القلب والعمل الصالح؟
- تفسير الآية: الآية تدل على أن مجرد التمتع بالدنيا وزينتها ليس دليلًا على رضا الله أو النجاة في الآخرة. فالأقوام السابقون كانوا يتمتعون بمظاهر دنيوية أكثر من غيرهم، ولكن ذلك لم ينفعهم عندما جاء أمر الله.
نظرة ابن تيمية: فتنة النظر إلى زهرة الحياة الدنيا
يشرح شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- خطورة الانشغال بزينة الدنيا في قوله عن قوله تعالى: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} (طه: 131).
- تحذير من فتنة الصور والأموال: يوضح أن هذه الآية تشمل النظر إلى الأموال، والملابس، والصور، وغيرها من متاع الدنيا. ويشير إلى أن الله تعالى لا ينظر إلى صورنا وأموالنا، بل ينظر إلى قلوبنا وأعمالنا.
- الهلكى رجلان: يصف ابن تيمية نوعين من الهلكى: العاجز الذي يفتن بالنظر والحسد، والمستطيع الذي يفتن بما أوتي من النعم وينغمس فيها حتى يهلك.
السعدي: الاستدلال الفاسد
يؤكد الشيخ السعدي -رحمه الله- أن الاستدلال على خير الآخرة بخير الدنيا هو من أفسد الأدلة، وأنه من طرق الكفار. فليس كل من أوتي مالاً أو جمالاً فهو من أهل الجنة، وليس كل من ابتلي بفقر أو مرض فهو من أهل النار.
حديث نبوي: العيش الحقيقي
وفي الصحيحين عن أنس بن مالك وسهل بن سعد الأنصاريين رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة». هذا الحديث الشريف يذكرنا بأن العيش الحقيقي هو عيش الآخرة، وأن الدنيا ما هي إلا دار ممر وليست دار مقر.
الخلاصة: طريق النجاة
إن الانبهار بنعم الدنيا وزينتها قد يصرفنا عن الهدف الأسمى: الفوز بالآخرة. فلنحرص على ألا نمد أعيننا إلى ما متع به الآخرون، ولنجعل قلوبنا معلقة بالله تعالى، ولنعمل صالحًا لننال رضاه وجنته. تذكر دائمًا أن الجمال الحقيقي يكمن في القلب النقي والعمل الصالح، وليس في المظاهر الزائلة.
اترك تعليقاً