لماذا تفشل الجيوش القوية في تحقيق النصر السريع؟ دروس من أمريكا وروسيا وإسرائيل

لماذا تفشل الجيوش القوية في تحقيق النصر السريع؟ دروس من أمريكا وروسيا وإسرائيل

من السهل إشعال فتيل الحرب، لكن إخمادها وتحقيق نصر حاسم فيها مهمة بالغة الصعوبة، حتى بالنسبة لأعتى الجيوش في العالم. الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل، على الرغم من قوتها العسكرية، واجهت صعوبات جمة في تحقيق أهدافها في حروب مختلفة. هذا المقال يستكشف الأسباب الكامنة وراء هذه المعضلة، ويحلل دروسًا مستقاة من صراعات معاصرة.

وهم النصر الخاطف: هل انتهى زمن الحروب القصيرة؟

لطالما راودت فكرة "النصر الخاطف" صانعي القرار العسكريين. الهجوم المفاجئ الساحق الذي يشل قدرة العدو على المقاومة يبدو سيناريو جذابًا. لكن التاريخ يثبت أن هذه الاستراتيجية نادرًا ما تنجح بالصورة المتوقعة.

  • التقدير الرغبوي: غالبًا ما يقع المخططون في فخ التقدير الرغبوي، حيث يبالغون في تقدير قوتهم ويقللون من شأن قدرات الخصم.
  • سوء قراءة الخصوم: الفشل في فهم دوافع العدو وقدراته واستعداده للقتال يؤدي إلى حسابات خاطئة.
  • أهداف غير واضحة ومرنة: عدم وجود أهداف عسكرية وسياسية محددة وقابلة للتكيف مع تطورات الصراع يعيق تحقيق النصر.

دروس مستقاة من حروب معاصرة

  • الولايات المتحدة: حربا العراق وأفغانستان خير مثال على صعوبة تحقيق النصر في حروب طويلة الأمد. على الرغم من التفوق العسكري الأمريكي، استغرقت الحرب في أفغانستان عقدين من الزمن، وانتهت بعودة طالبان إلى السلطة.
  • روسيا: الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي كان من المفترض أن يكون سريعًا وحاسمًا، تحول إلى حرب استنزاف طويلة الأمد.
  • إسرائيل: الحرب على غزة، التي بدأت بهدف القضاء على حماس، استمرت لفترة أطول بكثير مما كان متوقعًا، وامتدت إلى جبهات أخرى.

أخطار مغالطة "الحرب القصيرة"

التركيز المفرط على الحروب القصيرة يؤدي إلى إهمال الاستعداد للسيناريوهات التي تطول فيها مدة الصراع. هذا الإهمال يخلق نقاط ضعف خطيرة، ويجعل الدول غير قادرة على التكيف مع المتطلبات المتغيرة للحرب.

  • الحروب القصيرة: تتطلب استخدام جميع الموارد المتاحة في وقت معين.
  • الحروب الطويلة: تتطلب تطويرًا مستمرًا للقدرات، وتكييفًا مع الضرورات التشغيلية المتغيرة، واستراتيجيات للحفاظ على الدعم الشعبي، واقتصادات فعالة، وطرق آمنة لإعادة التسليح، وتجديد مخزونات الذخائر، واستبدال القوات.

التخطيط للحروب التي لا تنتهي: هل هو ممكن؟

التخطيط للحروب التي لا نهاية واضحة لها يمثل تحديًا كبيرًا. الجيوش غالبًا ما تفتقر إلى الموارد اللازمة للاستعداد لمثل هذه الحروب. الحل لا يكمن في الاستعداد لحروب غير محددة المدة، بل في تطوير نظريات جديدة للنصر تكون أكثر واقعية في أهدافها السياسية وأكثر مرونة في كيفية تحقيقها.

نحو نظرية واقعية للنصر

الإستراتيجية الفعالة لخوض الحرب لا تتعلق فقط بالشؤون العسكرية، بل ترتبط أيضًا بالغرض السياسي من الحرب. التحركات العسكرية تحقق نجاحًا أكبر عندما تقترن بطموح سياسي محدود.

  • الحد من الطموحات السياسية: يسهل تقديم التنازلات والتوصل إلى حلول دبلوماسية.
  • التوافق بين الأهداف العسكرية والسياسية: يجب أن تتوافق الأهداف العسكرية والسياسية بمرونة، وأن تكون قابلة للتحقيق بالموارد المتاحة.
  • الاستعداد للتفاوض: في بعض الأحيان، تكون المبادرة العسكرية مصممة لدفع الخصم إلى المفاوضات في وقت مبكر.

دروس في الفشل: عندما تسوء التقديرات

الاستخفاف بطموحات العدو السياسية وموارده العسكرية يعد وصفة مضمونة لفشل استراتيجيات الحرب القصيرة. غالبًا ما يتم شن الحروب على أساس اعتقاد خاطئ بأن الشعب في الدولة المعادية سوف ينهار سريعًا تحت وطأة الهجوم.

صعوبة إنهاء الحروب التي لا تسير على ما يرام

الفشل العسكري يضيف هدفًا سياسيًا جديدًا: الرغبة في تجنب إظهار الضعف وعدم الكفاءة. هذا الخوف من فقدان السمعة يدفع الحكومات إلى التمسك بالبقاء في حروب لفترة طويلة بعد أن يصبح من الواضح أن النصر العسكري بعيد المنال.

"النصر" و "عدم الخسارة": الفرق الدقيق

في الحروب المعاصرة، من المهم التمييز بين "النصر" و "عدم الخسارة". كلا الجانبين في أي حرب يمكن أن يكونا "غير منتصرين" و "غير خاسرين" عندما لا يتمكن أي منهما من فرض النصر على الآخر.

إرث الحروب الطويلة

الحروب الطويلة غالبًا ما تخلف إرثًا مريرًا ودائمًا. حتى في الحالات التي يمكن فيها التوصل إلى تسوية سياسية، فقد لا يتم حل الصراع. التغيرات الإقليمية والتنازلات الاقتصادية والسياسية الكبيرة من جانب الطرف الخاسر غالبًا ما تؤدي إلى إثارة الاستياء والرغبة في تعويض الخسائر بين صفوف المهزومين.

دروس للمستقبل: تجنب الحروب الطويلة

الدرس الرئيسي الذي يمكن للولايات المتحدة وحلفائها استخلاصه من تجربتهم الواسعة في الحروب المطولة هو أنه من الأفضل تجنبها. إذا تورطت الولايات المتحدة في صراع طويل الأمد مع إحدى القوى العظمى، فسوف يحتاج اقتصاد البلاد ومجتمعها بأكمله إلى الاستعداد للحرب.

  • الاستعداد للصراع التقليدي: تحتاج القوى العظمى إلى الاستعداد بشكل أكثر وضوحًا لحروب تقليدية أطول أمدًا مما تفترضه الخطط الحالية.
  • تعزيز القواعد الصناعية الدفاعية: يجب تحسين القواعد الصناعية الدفاعية وبناء المخزونات للاستعداد بشكل أفضل للطوارئ المحتملة في المستقبل.
  • إدارة الحروب الطويلة: يحتاج المخططون العسكريون إلى التفكير في إدارة الحروب الطويلة الأمد بنفس الطريقة التي فكروا بها في إدارة التصعيد النووي.

الخلاصة: نحو قرارات سياسية حكيمة

الحروب تبدأ وتنتهي بقرارات سياسية. القرار السياسي ببدء صراع مسلح يجب أن يفترض أن الحرب ستكون قصيرة الأمد. القرار السياسي بإنهاء القتال يجب أن يعكس التكاليف والعواقب التي لا مفر منها للحرب الطويلة. إذا لم يكن هناك بد من خوض الحرب، فإن أهدافها العسكرية والسياسية يجب أن تكون واقعية وقابلة للتحقق ومحددة ويمكن الوصول إليها باستخدام الموارد العسكرية المتاحة.

المصدر: موقع الجزيرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *