لوس أنجلوس تحت الحصار: كيف حوّل ترامب مدينة الملاذ إلى ساحة معركة سياسية

لوس أنجلوس تحت الحصار: كيف حوّل ترامب مدينة الملاذ إلى ساحة معركة سياسية

في يوم الجمعة المشؤوم، السادس من يونيو/ حزيران، شهدت لوس أنجلوس، مدينة الملاذ المعروفة بتنوعها الثقافي واحتضانها للمهاجرين، تحولًا مفاجئًا ومقلقًا. لم يكن هذا التحول ناتجًا عن كارثة طبيعية أو تهديد خارجي، بل عن قرار سياسي اتخذه الرئيس ترامب، قرارًا أثار موجة من الغضب والاستنكار في أوساط المجتمع المدني والمؤسسات الحقوقية.

مداهمات مفاجئة وعسكرة للشوارع

شنت وكالة الهجرة والجمارك الأميركية (ICE)، بالتنسيق مع وزارة الأمن الداخلي (DHS) ومكتب التحقيقات الفدرالي (FBI)، سلسلة من المداهمات المفاجئة في جميع أنحاء المدينة. المشهد كان أشبه بفيلم حربي: ضباط فدراليون مدججون بالسلاح، يرتدون ملابس تكتيكية، ويتنقلون في قوافل من العربات المصفحة والمركبات القتالية (Bearcats)، يحولون شوارع المدينة إلى ساحة عسكرية حقيقية.

  • الهدف: اعتقال عشرات المهاجرين العاملين بجد، والذين يشكلون جزءًا لا يتجزأ من نسيج لوس أنجلوس الاقتصادي والاجتماعي.
  • أماكن الاعتقال: من أمام متجر "هوم ديبوت"، حيث يتجمع العمال يوميًا بحثًا عن فرص عمل، إلى حي صناعة الألبسة، حيث تم اعتقال أكثر من 40 شخصًا في مستودع "أمبيانس أباريل".

رد فعل المجتمع وازدياد التوتر

لم يتقبل المجتمع المدني في لوس أنجلوس هذه المداهمات بصمت. خرج الناس إلى الشوارع تضامنًا مع أصدقائهم وعائلاتهم وجيرانهم الذين تم اعتقالهم. لكن الرد كان قاسيًا: استخدم العملاء الفدراليون القنابل الصوتية والغاز المسيل للدموع لتفريق الحشود، مما أدى إلى تصاعد التوتر وتحول الشوارع إلى بؤر اشتباك.

  • اعتقال ديفيد هويرتا: اعتقال رئيس اتحاد موظفي الخدمات الدولية (SEIU) وتعرضه للعنف أثناء تصويره المداهمات، أشعل فتيل الغضب وأدى إلى توافد أعضاء الاتحاد من جميع أنحاء الولاية للمشاركة في مظاهرة سلمية كبيرة.
  • دعوة إلى التظاهر السلمي: انضم اتحاد عمال المزارع إلى الاحتجاجات، مؤكدًا على الطابع السلمي للتظاهرة ودعوة الناس إلى الانضمام إليها.

لوس أنجلوس: مدينة ملاذ في مرمى النيران

تُعد لوس أنجلوس مدينة فريدة من نوعها في الولايات المتحدة. فهي ثاني أكبر مدينة في البلاد، ويشكل ذوو الأصول اللاتينية والهيسبانية حوالي نصف السكان. كما أن 35% من السكان ولدوا خارج البلاد، ويُقدر عدد المهاجرين غير المسجلين فيها بمليون شخص، أي نحو 10% من السكان. وباعتبارها "مدينة ملاذ" معلنة، رفضت شرطة المدينة المشاركة في عمليات (ICE) والانخراط في أجندة ترامب السياسية لاستهداف غير المواطنين.

محاولات لتقويض الاحتجاجات السلمية

وسط الاحتجاجات السلمية، ظهرت بعض العناصر المشبوهة التي حاولت تقويضها وتشويه صورتها.

  • مقطع فيديو مثير للجدل: يظهر شبان ملثمون يلقون الطوب على سيارات الشرطة. هؤلاء الشبان لم يكونوا يشبهون المتظاهرين الآخرين، مما أثار الشكوك حول هويتهم الحقيقية ودوافعهم.
  • اتهامات بالتحريض: من غير الممكن الجزم ما إذا كانوا متظاهرين حقيقيين أم من أنصار ترامب جاؤوا كعملاء محرضين، وهي حيلة قديمة تستخدم غالبًا لتشويه سمعة الاحتجاجات السلمية وتبرير العنف الرسمي ضد المواطنين.
  • تدمير الممتلكات: عمليات النهب التي طالت متجر "آبل" وغيرها من المحلات، أثارت الجدل حول طبيعة الاحتجاجات وأهدافها.

ردود فعل رسمية ومواقف متباينة

أثارت هذه الأحداث ردود فعل رسمية متباينة.

  • عمدة المدينة: أشارت كارين باس، عمدة المدينة، إلى "درجة الخوف والرعب" التي يشعر بها سكان لوس أنجلوس، متهمةً مداهمات ترامب بـ"تأجيج التوترات في المدينة" وزرع الفوضى.
  • حاكم ولاية كاليفورنيا: وصف غافن نيوسوم، حاكم ولاية كاليفورنيا، أفعال ترامب بـ"الخطاب التحريضي"، معتبرًا أن المدينة "تُستخدم كمختبر تجارب" للسلطة الفدرالية.
  • دعوى قضائية ضد إدارة ترامب: رفعت ولاية كاليفورنيا دعوى قضائية ضد إدارة ترامب تطالب بإعلان أن إجراءاته غير دستورية، مؤكدةً أن الرئيس لا يملك صلاحية نشر الحرس الوطني، الذي يقع ضمن اختصاص الولايات.

الدافع الحقيقي وراء المداهمات

بدأت تتكشف تدريجيًا القصة الحقيقية وراء هذه المداهمات المفاجئة.

  • غضب ستيفن ميلر: أفاد موقع "ذا لاتن تايمز" بأن ستيفن ميلر، نائب رئيس موظفي البيت الأبيض، أعرب عن غضبه من وكالة (ICE) لعدم تحقيقها "حصص الترحيل"، وانتقد تركيزها على المهاجرين ذوي السوابق.
  • مطالبة باستهداف أماكن العمل: طالب ميلر باستهداف أماكن العمل التي يرتادها المهاجرون، مثل "هوم ديبوت" و"سفن-إليفن".
  • هدف زيادة الاعتقالات: صرح ميلر لقناة فوكس نيوز بأنه يسعى إلى رفع عدد الاعتقالات إلى "3 آلاف يوميًا على الأقل"، مؤكدًا أن الرئيس ترامب "سيواصل الضغط لرفع هذا الرقم".

انتهاكات لحرية الصحافة

لم تسلم حرية الصحافة من هذه الأحداث. تعرض العديد من الصحفيين للاعتداء أثناء تغطيتهم للاحتجاجات.

  • إصابة المراسلة لورين توماسي: أُطلقت رصاصة مطاطية على المراسلة "لورين توماسي" من قناة 9.
  • إصابة صحفيين آخرين: أُصيب مراسل صحيفة "LA Daily News" وصحفي مستقل برصاص الفلفل والغاز المسيل للدموع.
  • جراحة طارئة للمصور نيك ستيرن: خضع المصور الصحفي البريطاني "نيك ستيرن" لعملية جراحية طارئة لاستخراج رصاصة بلاستيكية من ساقه.
  • توثيق نادي الصحافة: وثق نادي الصحافة في لوس أنجلوس أكثر من 30 حالة اعتداء على الصحفيين منذ بدء الاحتجاجات.

ترامب يعسكر لوس أنجلوس

بعد إرسال 700 جندي من مشاة البحرية إلى لوس أنجلوس، وتعزيز عدد أفراد الحرس الوطني، نجح ترامب في عسكرة شوارع المدينة، وتحويلها إلى ساحة عرض للقوة.

تضامن فني ودعم للقضايا العادلة

لم تقتصر ردود الفعل على الاحتجاجات والمواقف السياسية، بل امتدت إلى المجال الفني.

  • تنديد المغنية دوتشي: في حفل جوائز BET الخاصة بشبكة الترفيه السوداء، نددت المغنية "دوتشي" بـ"الهجمات الوحشية" لترامب، وربطت ما يحدث في لوس أنجلوس بما يجري في غزة، معربة عن تضامنها مع جميع المظلومين.

"حالات طوارئ زائفة" ومحاولة للاستيلاء على السلطة

في ختام هذه الأحداث، تصدر عنوان صادم صحيفة "نيويورك تايمز": "علماء القانون: ترامب يعلن حالات طوارئ زائفة لجمع السلطة في يده". هذه "الحالات الطارئة الزائفة" التي افتعلها ترامب، تقوّض الدستور وتدمر الحريات المدنية، وتشكل خطرًا حقيقيًا على الديمقراطية.

المصدر: موقع الجزيرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *