متى نصر الله؟ الطريق إلى التمكين والوعد الحق

في زمنٍ كثر فيه الضجيج وقلّ فيه الفعل، وتعاظمت الوعود وتضاءلت الإنجازات، يتردد سؤال عميق يلامس شغاف القلوب: متى نصر الله؟ إنه ليس سؤال يائسٍ أو متشائم، بل هو صرخة المؤمن الصادق، الباحث عن النور في دياجير الظلام، والمتفحص لأسباب التأخير والتمحيص. سؤالٌ يطرحه من رسخت أقدامهم على طريق الحق، وتزكت نفوسهم في أتون البلاء، وأيقنوا بصدق الوعد في زمن الشك والريبة.

الوعد الحق: "ألا إن نصر الله قريب"

الجواب يتردد صداه في آيات الذكر الحكيم: "ألا إن نصر الله قريب". لكن هذا القرب ليس مجرد أمنية أو حلم، بل هو وعدٌ مشروط، وتحقيقٌ يستلزم بذل الأسباب. إنه قريب حينما تتطهر النوايا، وتستقيم الخطى، وتثبت القلوب، وتتهيأ الأرض لاستقبال بذور الخير.

التفاؤل الزائف وخطر الأماني

الحذر كل الحذر من التفاؤل المجرد، الذي لا يستند إلى عمل ولا يحمله مشروع. إنه تفاؤل مخادع، يُسكر العقل ويُعمي البصيرة، ويحوّل الغفلة إلى ثقة، والعجز إلى توكل، والكسل إلى رجاء. هذا ليس من الدين في شيء، بل هو من مكر العدو أو جهل الصاحب.

النصر: ليس مجرد شعارات

الإسلام لا يعد بالنصر من جلسوا على الأرائك يحلمون، بل بمن قاموا في الناس دعاةً ومصلحين، من جمعوا بين الأمل والسعي، والدعاء والإعداد، والتوكل والبذل، من حركوا عجلة التغيير بدلًا من انتظار دورانها.

ولكن ما هو النصر الحقيقي؟

  • ليس مجرد رايات تُرفع، ولا منصات تُقام.
  • بل هو:
    • ثبات الجبهة على خط الإيمان.
    • خشوع الجباه بين يدي الله.
    • نقاء اليد من التلوث.
    • ثبات البوصلة، وشد العزائم.
    • القلب على العهد، والفكر على النهج، والخطى على الصراط، مهما طال الطريق.

الأمة التي تُنصر ليست التي تعلو صرخاتها، ولا التي تهتف باسم الله وهي تهجر هداه، بل التي تمتلك مشروعًا منطلقًا من الوحي، ناظرًا في الواقع، جامعًا بين العقيدة والعمل.

مشروع النصر: رؤية متكاملة

هذا المشروع يوازن بين:

  • البناء الإيماني والتأهيل الواقعي.
  • تربية النفوس وترتيب الصفوف.

لا يجعل من الفرعيات أصلًا، ولا من الخلافات المذهبية عائقًا. بل هو مشروع جامع، يؤمن بالكليات، ويتناصح في الجزئيات، يسير بالأمة إلى الأمام تحت مظلة:

  • توحيد لا تفرقة.
  • ولاء لا خصومة.
  • بصيرة لا تعصب.

وعد الله الحق: شروط الاستخلاف والتمكين

وهنا ندرك عمق وعد الله في كتابه الكريم، وعدًا لا يُنال بالأماني، ولا يُدرك بالهتاف:

{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ، وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا، يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور: 55]

ذلك هو الطريق، وتلك هي الشروط، ومن وفّى بعهد الله، وفى الله له بوعده، واستحق ساعتها البشارة: (وكان حقًّا علينا نصر المؤمنين).

المصدر: موقع طريق الإسلام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *