مراتب العلماء: بين الفهم العميق والإدراك المحدود

مراتب العلماء: بين الفهم العميق والإدراك المحدود

الحمد لله الذي جعل العلم نورًا، والفهم سراجًا، والفكر سبيلًا إلى تمام العقل وكمال الرشد. أما بعد،

أيها السائل عن حال العلماء ومقامهم، والعابر في رياض الفهم والفِقْهِ، اعلم أن العلم بحر لا ساحل له، وأن العلماء كالغوَّاصين، منهم من يغوص على الدرر، ومنهم من يكتفي باللآلئ، ومنهم من يغترف من سطح الماء ما يكفيه، فهل يستوي هؤلاء في المكانة والقدر؟

العلماء درجات

إن للعلماء منازل لا تتساوى، ومراتب لا تتشابه؛ فمنهم المدقِّق المميِّز الذي بلغ الغاية في الإحاطة، ومنهم من دون ذلك في الفهم والإدراك. فالعلم لا يكون غزيرًا إلا لمن جاهد فيه، ولا يكون نافعًا إلا لمن أخلص له.
وقد ترى رجلًا أوتي حظًّا من الذكاء، فجمع العلم من كل أطرافه، وآخر ضيّق عليه سبل الإدراك، فتعثَّرت خطاه في بعض المسائل، وكلاهما عالم، ولكن بينهما كما بين الأفقين.

مثال من تاريخ العلماء

تأملوا حال إمام دار الهجرة، الإمام مالك بن أنس – رضي الله عنه – حين سئل عن تخليل أصابع القدمين في الوضوء، فأجاب: “ليس ذلك على الناس”. ثم أُعْلِم بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فما أنكر الحديث، بل قال: “إن هذا الحديث حسن، وما سمعت به قطُّ إلا الساعة”. فما كان إلا أن عمل به، وأمر به من بعد ذلك.

فانظر إلى تواضع العلماء وحبهم للحق!
وإن هذا لدرس بليغ في الأدب مع العلم، إذ ليس في البشر من يحيط بكل العلوم، ولا من يسلم من النقص، ولكنّ العالم حقًّا هو من يسعى في طلب الحق ويقبله إذا تبين له.

اختلاف العلماء سنة كونية

واعلم – رعاك الله – أن اختلاف العلماء ليس مذمومًا كله، بل فيه سعة ورحمة، فلو كان العلم حكرًا على واحد، لضاقت على الناس سبل الاجتهاد، ولكنّ الله جعل من اختلافهم تيسيرًا، ومن تباين آرائهم فسحةً. وهذا الاختلاف ليس ناشئًا عن هوى، بل عن تباين في الإدراك والاطلاع.

خاتمة

فيا طالب العلم، اعلم أن طلبه لا يكون بكثرة الجدال، ولا بتعظيم الأقوال دون التثبت منها، ولكن بالصدق مع الله، والتواضع للحق، والاعتراف بالنقص. فإن العلماء ورثة الأنبياء، وما بلغوا الميراث إلا بحسن الطلب وصبر المجاهدين.

فالزم أدبهم، وتخلَّق بأخلاقهم، تكن من الفائزين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *